قال عنترة بن شداد في ليلة مقمرة وعلي ضوء الأباجورة:
ألا ياعبلُ قد زادَ التصابيْ..ولجَّ اليومَ قومُكِ في عذابي
وظلَّ هواكِ ينمو كلَّ يومٍ..كما ينْمو مشيبي في شَبابي
عتبتُ صروفَ دهري فيكِ حتى..فَني وأَْبيكِ عُمْري في العِتابِ
وَلاقيْتُ العِدى وحفِظتُ قوْما..أضاعُوني وَلمْ يَرْعَوا جَنابي
سلي يا عبلُ عنَّا يومَ زرنا..قبائل عامرٍ وبني كلابِ
وكمْ من فارس خلّيتُ مُلقى..خضيب الراحتينِ بلا خضابِ
يحركُ رجلهُ رعباً وفيهِ سنانُ..الرُّمح يلمعُ كالشَّهابِ
قتلنا منهمُ مائتين حرَّا..وألفاً في الشِّعابِ وفي الهضابِ
وهنا إستدارت عبلة و لمعت عيناها بوميض أحمر كذئبة جائعة وقالت بصوت أجش:
-والنبي يا عنتر نام وأتلهي...بقي ياراجل كل رجالة القبيلة...اللي سافر واللي عمله عقد عمل...واللي إنضم للحزب الوطني وبقي عندوه شىء وشويات...وانت طول النهار واخدلي رمحك وسيفك وعمال تحارب طواحين الهوا...زي دون كشوت...في رواية فارس البندقية...للأديب الأنجليزي يوسف السباعي!!
إستدار عنتر مائة وثمانين درجة بمقياس رختر لحماية المستهلك...وتذمر وأخذ قراراً مصيرياً يخص حبيبته عبلة...وبحث عن سيفه فلم يجده وهنا صرخ بصوت كالرعد:
-أين سيفي يا بنت مالك؟!
قالت عبلة من بين أسنانها وقد إنتصب شعر سواعدها وأرجلها كدبة توشك أن تنقض علي فقمة بحرية:
-بعتوه إمبارح لبتاع "الربابوكيا" وهو معدي من قدام الخيمة...الواد إبنك نفسه في الحلابسة ومالقيتش غير السيف ابيعوه عشان أجيبلوه الحلابسة!!
صاح عنترة وقد فاض به الكيل:
-أُعاتِبُ دَهراً لاَ يلِينُ لعاتبِ..وأطْلُبُ أَمْناً من صُرُوفِ النَّوائِبِ
وتُوعِدُني الأَيَّامُ وعْداً تَغُرُّني..وأعلمُ حقاً أنهُ وعدُ كاذبِ
خَدَمْتُ أُناساً وَاتَّخَذْتُ أقارباً..لِعَوْنِي وَلَكِنْ أصْبَحُوا كالعَقارِبِ
يُنادُونني في السِّلم يا بْنَ زَبيبة..وعندَ صدامِ الخيلِ يا ابنَ الأطايبِ
ولولا الهوى ما ذلَّ مثلي لمثلهم..ولا خَضعتْ أُسدُ الفَلا للثَّعالبِ
ستذكرني قومي إذا الخيلُ أصبحتْ..تجولُ بها الفرسانُ بينَ المضاربِ
فإنْ هُمْ نَسَوْني فالصَّوَارمُ والقَنا..تذكرهمْ فعلي ووقعَ مضاربيِ
فيَا لَيْتَ أَنَّ الدَّهْرَ يُدني أَحبَّتي..إليَّ كما يدني إليَّ مصائبيِ
ولَيْتَ خيالاً مِنكِ يا عبلَ طارقا..يرى فيضَ جفني بالدموعِ السواكبِ
سأَصْبِرُ حَتَّى تَطَّرِحْني عَواذِلي..وحتى يضجَّ الصبرُ بين جوانبيِ
مقامكِ في جوِّ السماء مكانهُ..وَباعِي قَصيرٌ عَنْ نوالِ الكَواكِبِ
وهنا صاحت عبلة وقامت من مكانها كمدمرة أمريكية توشك أن تضرب ما تبقي من شواطىء العرب:
-عنتر يابن عمي..وبعدهالك..عندك ورك "غوريلا" في التلاجة مسلوق قوم وولع في كام شجرة من الحي..وسخنها وكلها وأتخمد..وإعمل حسابك دي آخر مرة هخرج وأصطاد فيها "غوريلا"..مش يبقا الغسيل وعيالك..وكمان اصطاد غوريلا كمان!!
فتمتم عنترة وهو يفتح الباب الخشبي للثلاجة ويتناول ورك "الغوريلا" اللذيذ:
-إذا قنعَ الفتى بذميمِ عيشِ وَكانَ وَراءَ سَجْفٍ كالبَنات
وَلمْ يَهْجُمْ على أُسْدِ المنَايا وَلمْ يَطْعَنْ صُدُورَ الصَّافِنات
ولم يقرِ الضيوفَ إذا أتوهُ وَلَمْ يُرْوِ السُّيُوفَ منَ الكُماة ِ
ولمْ يبلغْ بضربِ الهامِ مجداً ولمْ يكُ صابراً في النائباتِ
فَقُلْ للنَّاعياتِ إذا بكَتهُ أَلا فاقْصِرْنَ نَدْبَ النَّادِباتِ
ولا تندبنَ إلاَّ ليثَ غابٍ شُجاعاً في الحُروبِ الثَّائِراتِ
دَعوني في القتال أمُت عزيزاً فَموْتُ العِزِّ خَيرٌ من حَياتي
لعمري ما الفخارُ بكسْب مالٍ ولا يُدْعى الغَنيُّ منَ السُّرَاة ِ
ستذكُرني المعامعُ كلَّ وقتٍ على طُولِ الحياة ِ إلى المَمات
فذاكَ الذِّكْرُ يبْقى لَيْسَ يَفْنى مَدى الأَيَّام في ماضٍ وآت
وإني اليومَ أَحمي عِرْضَ قومي وأَنْصُرُ آلَ عَبْسَ على العُدَاة ِ
وآخذُ مَالنا منْهُمُ بحَرْبٍ تَخِرُّ لها مُتُونُ الرَّاسيَاتِ
وأَتْرُكُ كلَّ نائِحَة ٍ تُنادي عليهم بالتفرقِ والشتاتِ
وهنا رن الهاتف المحمول بتاع عبلة من نوع "نوكيا إن 70"..فتمتمت عبلة بعصبية وهي ترد:
- ايوه يابت يا إنجي..سهرانة ليه..بتقولي عندك حفلة ديسكو في الخيمة..طب ما تنسيش تبعتيلي التوكتوك بتاعك..علاشان الموتوسيكل بتاعي عند المكانيكي اللي في "قريش" بيتسمكر من ساعة الحادثة اللي إتقلبت فيها من فوق قمة"إفرست"..فاكرة لما التلج زحلأ عجل الموتسيكل..المهم وإحجزيلي معاك عند مرفت بيوتي بالاس..يالاه سلام عشان بتكلم انا وعنتر جوزي..باي ..سلام
وهنا ردد عنتر...مستاءاً:
حسناتي عند الزَّمانِ ذنوبُ..وفعالي مذمة ٌ وعيوبُ
ونصيبي منَ الحبيبِ بعادٌ...وَلغيْري الدُّنوُّ منهُ نَصيبُ
كلَّ يوْمٍ يَبْري السِّقامَ محبٌّ..منْ حَبيبٍ ومَا لسُقمي طبيبُ
فكأنَّ الزمانَ يهوى حبيباً..وكأَنِّي على الزَّمانِ رَقيبُ
إنَّ طَيْفَ الخيالِ يا عبْلَ يَشفي..وَيداوي بهِ فؤادي الكئيبُ
وهلاكي في الحبِّ أهوَنُ عندي منْ..حياتي إذا جفاني الحبيبُ
يا نسيم الحجازِ لولاكِ تطفي..نارُ قلْبي أَذابَ جسْمي اللَّهيبُ
لكَ منِّي إذا تَنفَّستُ حَرٌّ..ولرَيَّاكَ منْ عُبيلة َ طيبُ
ولقد ناحَ في الغُصونِ حمامٌ..فشجَاني حنينُهُ والنَّحيبُ
باتَ يشكُو فِراقَ إلفٍ بَعيدٍ..وَينادِي أَنا الوحيدُ الغريبُ
ياحمامَ الغصونِ لو كنتَ مثلي..عاشقاً لم يرُقكَ غُصْنٌ رَطيبُ
فاتركِ الوجدَ والهوى لمحبٍ..قلبُهُ قدْ أَذَابَهُ التَّعْذِيبُ
كلُّ يومٍ لهُ عتابٌ معَ الدَّه..ـرِ وأَمْرٌ يَحارُ فيهِ اللَّبيبُ
وَبلايا ما تنقضي ورزايا..مالها منْ نهاية ٍ وخطوبُ
سائلي يا عبيلَ عني خبيراً..وَشُجاعاً قَدْ شيَّبَتهُ الحُرُوبُ
فسينبيكِ أنَّ في حدَّ سيفي..ملكُ الموتِ حاضرٌ لا يغيبُ
وسِناني بالدَّارعينَ خَبيرٌ..فاسأليهِ عما تَكون القلوبُ
كمْ شُجاعٍ دَنا إليَّ وَنادَى..يا لَقَوْمي أَنا الشُّجاعُ المَهيبُ
ما دَعاني إلاَّ مَضى يَكْدِمُ..الأَرْ ض وَقَدْ شُقَّتْ عَلَيْهِ الجُيُوبُ
ولسمرِ القَنا إليَّ انتسابٌ..وَجَوَادي إذَا دَعاني أُجيبُ
يضحكُ السَّيفُ في يدي وَينادي..ولهُ في بنانِ غيري نحيبُ
وهوَ يَحْمي مَعِي على كلِّ قِرْنٍ..مثلما للنسيبِ يحمي النسيبُ
فدعوني منْ شربِ كأسِ مدامِ..منْ جوارٍ لهنَّ ظرفٌ وطيبُ
وَدَعُوني أَجُرُّ ذَيلَ فخَارٍ..عِندَما تُخْجِلُ الجبانَ العُيُوبُ
إنتصبت قامة عبلة إستعداداً لشن هجوم مباغت علي عنتر ..ولكن قطع هذا كله رنين هاتف المحمول الخاص به بنغمته المميزة.."عنتر عنتر ياعنترة..هيه"..فقام عنتر اليه ليرد قائلاً:
- الو ..من يتكلم في مثل هذا الوقت من السحر ..وقد نعست عيون العالمين ..واوشك الفجر أن ينبلج..وهجع الكون في فراشه؟!
سكت هنيهة..ثم تهللت أساريره..فقال في فرح كطفل صغير:
-اوك..أنا موافق يا أخي شيبوب..إحجز لي مقعداًخلفك علي الناقة المغادرة الي الساحل الشمالي..فهي فرصة كي أغير الجو..وأجدد أفكار الشعر عندي..لكن بالله عليك ليكن مقعدي علي الناقة بجوار النافذة..حتي يتسني لي رؤية معالم سنغافورة ونحن محلقين من الجو..!!
هدأت عبلة وتظاهرت بنعومة ثعبان الكوبرا الرقيق وهي تقول بدلال لم يخفيه صوتها الأجش:
- عنتورتي..هتخدني معاك يا روحي؟!
نظر لها عنترة بتشفي وهو يلوك آخر قطعة من ورك الغوريلا في فمه قائلاً بحدة:
-لأ..!!، واخرج لها لسانه..!!
ثم أخذ ريموت التكيف وعبث ببعض أزراره..وأطفأ الأباجورة ونام ..بعد أن قال:
-واختر لنفسك منزلآ تعلو بـــــــه..أو مت كــريمآ تحت ظل القسطل
فالموت لا ينجيك من آ فــاتــــــه..حسن ولو شيدته بالجنـــــــــــــدل
موت الفتى في عزة خير لـــــــه..من أن يبيت أسير طرف أكحــــل
إن كنت في عدد العبيد فهمتــــي..فوق الثريا والسماء الأعــــــــــزل
أو أنكرت فرسان عبس نسبتــي..فسنان رمحي والحسام يقر لي
وبذابلــي ومهندي نلت العلـــــــا..لا بالقرابة والعديد الأجــــــــــــــزل
ورميت مهري في العجاج فخاضه..والنار تقدم من شفار الأنصــــــل
خاض العجاج محجـــلآ حتــى إذا..شهد الوقيعة عـــاد غير مخجل
إنتهت القصــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة وكالعادة أسألكم حد فاهم حاجة؟!!
2 عبرني:
جميلة قوي الفجوة الحضارية اللي بين عنترة و عبلة
او عنتورتي و عبلة
:)
الفكرة حلوة
باعت السيف علشان الحلبسة
زي ما بعنا الجهاد علشان الدش و الموبيل و البلاي استيشن
لا اله الا الله
يا فندم شاكر جداً زيارتك !!
ويارب كده دايماً...
ومرسي بجد علي التعليق....
وانا جبت المقص وقطعته من صفحة المدونة وعلقته وسام علي صدري!!
شكراً لك...مرة أخري علي التعليق وعنتر بيمسي عليك!!
إرسال تعليق