ورطة


"بابا بعد إذنك عاوزة اتفرج على الكرتون في التزيوووون"..!
دي كانت سهيلة بعد ماصحيت من النوم وغسلت وشها واكلت بسبوسة وبتشرب اللبن..
طلب عادي وطبيعي من طفلة في سنها في زمن الـSpacetoon
لكن اللي مش طبيعي ان باب اوضة الاطفال مقفول من امبارح والمفاتيح والموبايل بتاعي وبتاعها جوه الأوضة..
وانا اللي اتسببت في الورطة دي بصراحة وبكل وضوح..
"أنا كنت كنت حقفلوا بالراحة..بص يابابا انا مش كنت حعمل زيك كده كده..انا كنت حقفلوا بالراحة كده كده..متزؤهوش انت انا بس اللي حعمله..ماشي..واشرب الشاي بتاعك"..!
ذلك لم يكن صوت ضميري بل سهيلة بتسمعني كلمتين في العضل عشان حيل بينها وبين الكرتون ..
جربت كل الحيل لفتح الباب ولم تفلح..
لم يبقى الا الحل الأخير..
وهو الخيار الصعب..
ولكن..
ما باليد حيلة..
بعد اذنكوا..

حاول تبتسم


(عائله كسلانة)

مرة كانت الأم توها جايه من الشغل ..
طرقت باب البيت بعدين قال زوجها : مين ؟
قالت : إفتح الباب ..

أنا خديجة زوجتك
قال : أنا كسلان ما أقدر أفتح الباب ..

روح يا ولدي عثمان إفتح الباب لأمك
قال ولده عثمان : ما أقدر أنا كسلان ..

روح ياخوي خضر
إفتح الباب
قال خضر : لا ما أقدر أنا كسلان وتعبان خالص
قال الأب : خلاص ياخديجة إحنا ما نقدر نفتح الباب ..

إنت طالق ..
روحي بيت أبوكي
قالت خديجة : يااااويلي ..

ياريتني طلـّعت المفتاح من الشنطة..!

رحيل الفراشات


لثمت دموعه أصابع كفها الباردة كالثلج ..
ومسح بكفه المعروقة جبينها المغضن المتوشح بنور رباني غمرها في هذه اللحظة..
اختنقت الأهات في صدره فدفعها النحيب لتفسح الطريق أمام عبرات قلبه الجريح..
سنوات عمره التى ناهزت السبعين دارت امامه مثل شريط سينمائي سريع..
كان قد أحيل على المعاش منذ خمسة عشرة سنة..
واستغنت الوزارة التى كان يعمل بها عن خدماته ووجوده..
ولولا زوجته ورفيقة دربه "عائشة" لشعر بأنه وُضعَ على هامش الحياة..
نظر إليها وقد تمددت يداعب الموت خصلات شعرها الأبيض الناعم ..
قبل أن تغمض عينها منحته نظرة رضى وبسمة حانية تعودها دائماً..
سكتت وإلى الأبد..
ولكن قبل سكوتها سألته بالحاح:
- انت راض عني يا أبو طارق..؟َ!
اعتادت أن تلقبه بذلك لأنها كانت على أمل أن ترزق منه بولد بكر تسميه طارق..
- هو انت كل ما تتعبي شوية يا حاجة تفتكري الموت كده..!!
قالها مبتسماً رغم القلق الواضح في نبرات صوته ولوعته من أن يفقد من عاشت من أجله..
- ثواني حجيب لك حباية الضغط من التلاجة وحعملك كوباية لمون بقا من اللي قلبك يحبها..
حاولت أن تثنيه ليظل بجوارها تلك الدقائق التي أيقنت انها المتبقية قبل الرحيل السرمدي ..
لكنها لم تكن تقوى على الكلام فاكتفت بترديد لا إله إلا محمد رسول مرات كثيرة ..
وبدأ صوتها يخفت تدريجياً ونظرت نحو باب الغرفة ترجوه أن يأتي سريعاً ..
في لحظة الغروب الأخيرة لتلمحه بنظرة وداع..
- وآدي يا ستي كوباية اللمون وحباية الضغط جبتـ....
إرتعشت كفه فسقط الكوب من بين أصابعه واقترب منها واحتضن كفها يلثمه.
وبكي بهمس وهو يقبل جبينها ويشتم عبير الحياة الذى يغادر جسدها..
تمنى لو كان له منها أولاد يشاركوه حزن قلبه في هذه اللحظة ..
وليقاسمهم غربته في تيه الحياة بعد أن قررت أن ترحل..
لقد عاش حياته في سكينة وسلام دون أن يعرف للحزن معنى..
وفجأة دون سابق إنذار جاءه الألم ليعشش بين تلافيف قلبه بموتها...
تذكر كلماتها وهي تداعبه على "الطبلية" حينما كانت تضع كسرات الخبز في فمه وتقول:
- لو انت مت انا حعيط عليك بس لو انا مت مين بقا اللي حيعيط عليَّ..؟!
دمعت عيناه وتسرب الدمع على خديه..
بكى طويلاً..
حاول بكفه أن يخرس شهقاته..
ازداد بكاء وتلفت حواليه لعلّ أحداً لم يسمع نشيجه الذي أخذ يعلو ويعلو..
أشفق على نفسه..
لأول مرة يشعر بالغربة من دونها لهذا حاول وبشدة أن يسكت...
ظلّ فترة ليست قصيرة حتى هدأ..
مسح دمعه..
واستند بساعديه على حافة سريرها..
وراح يتأملها باهتمام وتمتم:‏
- ليه كده يا عائشة..طب انا كان نفسي اشوف دموعك أنت عليَّ..إن لله وان اليه راجعون..
سحب كرسياً وجلس بجوار سرير عرسهما العتيق الوحيد الموجود في الشقة ..
وهَمَّ بقراءة سورة يس من مصحف اعتادت ان تتبادله معه خصوصاً في صلاة التراويح وليالي قيام رمضان..
أبصر تذكرة مترو وضعتها بين صفحات المصحف عند آخر آيات مرت عليها وقرأتها..
تأمل الآيات وقرأ:"الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئات...".
أخذ يرتل بجوارها القرآن من المصحف حتى اقترب الفجر وغلبه النعاس...
سقطت رأسه على صدره وتشبث كفه بالمصحف الذى إستقر على حجره..
تواشيح الفجر التى أعقبها الأذان تتسرب من بين فتحات شيش شباك الشارع..
- الصلاة خير من النوم يا حاج عبد الرؤوف..
ينادي عليه أحد جيرانه من تحت الشباك أكثر من مرة بصوت عال اعتاد عليه كل يوم..
لم يحضر صلاة الفجر ولأول مرة منذ سنوات لا يؤم المصلين بصوته العذب الذى يقطر خشوع وخوف ورجاء..
قرب الظهر قرر الجيران أنهم لم يشاهدوا الحاجة "عائشة" تفتح دكان الخردوات الذى تبيع فيه الأقلام والمساطر والكراريس ولوازم الخياطة..
وهو الدكان الذى وضع فيه الحاج عبد الرؤوف مكافأة نهاية خدمته في الوزارة ويعتبر سندهم وعكازهم بين حطام الحياة..
كسر أحدهم باب شقة الحاج عبد الرؤوف ووقف مذهولاً ثم تبعه آخرون..
عند العصر إزدحم المسجد بالرجال والشباب واصطف الجميع لصلاة الجنازة على الحاج وزوجته رحمهما الله..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في كتاب الحياة هنالك صفحات لا يسع العقل تصديقها...!