جلس إلى الطاولة تاركاً خواطره تسبح في رأسه التى استقرت بدورها بين كفيه...
فيروز تنشد من بعيد بكلمات لم يفهم منها سوى "رجعت الشتوية"...
ردد في نفسه: عظيمة هذه الفيروز..كل الحروب انتهت..إلا صوتها لم ينتهي بعد..
صديقه عبد الخالق لا زال يحكي موضوعاًً يبدو هاماً ومع هذا فهو غير مكترث لما يقول..
أخذ يراقب اثنين من رواد المقهى " المودرن" يلعبان الطاولة وصوت الفيشات يختلط بكركة الشيشة..
في نفسه يعلم أن التدخين حرام شرعاً ومع هذا لم يمنع نفسه من استنشاق نكهات الشيشة المختلفة التى تناثرت من حوله وكأنها مشاعل في المشهد الشهير "جواز عتريس من فؤادة بااااااطل"..
تساءل في نفسه: ماذا لو قمت الآن وسكبت ماء فوق فحم هذه الشيشة المتوهج بحمرة الصيف مع أننا في شتاء ديسمبر ..
تبسم من تخيل الموقف والذهول يرتسم على هذين الرجلين..ثم قهقه وهو يتخيلهما يوسعانه ضرباً مبرحاً على مسمع ومرآي من جميع رواد المقهى..
انتبه على نظرات صديقه عبد الخالق يحدق فيه مذهولاً فقال مبتسماًً: لا عليك تذكرت شيئاً أضحكني..أكمل حديثك إني أسمعك..
وأصل عبد الخالق حكيه متشككاً في انتباهه لكلماته..بينما غرق هو في خواطره مرة ثانية..فجأة قطع حديث عبد الخالق قائلاً: هيا نتمشى على النيل..
صاح عبد الخالق مشدوهاً: والسحلب ..!
لا زال عبد الخالق مذهولاً من رغبات صديقه المجنونة بعد مغادرتهما المقهى..في هذه الليلة خفيفة المطر التى تؤكد فيها فيروز"رجعت الشتوية"...
صعد فوق أحجار الرصيف العريض الملاصق للنيل وصرخ في عبد الخالق بطفولية: هل تعلم لماذا أحب النيل..؟!
منحه عبد الخالق نظرة غاضبة من أثر البرد من تلك التى يعقبها: اذهب أنت وأفكارك إلى الجحيم..
فقال مبتسماً: لأنه يذكرني بها..
ثم قال بجدية وهو يقفز من على الرصيف :المرأة يا صديقي عقلها في قلبها..أما نحن الرجال فعقولنا تتجول باستمرار في حواسنا الخمسة بالإضافة إلى حاستنا الإنجابية..
هم عبد الخالق بقول شئ ما إلا أن رزاز المطر منعه فتدثر بياقة معطفه المنتفخ ولاذ بالصمت..
فقال: أعلم انك تريد أن تدافع عنا معشر الرجال..ولكن هيهات هيهات..!
كاد ان ينزلق وهو يتعثر ببركة ماء تحت الرصيف لكنه تماسك قائلاً: إنها زهرة مثل الياسمين تمنحك عبيرها لمرة واحدة..بينما انت تريد أن تقطع أوراقها بحثاً عن شئ بداخلها..تهتك طيبتها وطفولتها..حتى إذا مزقت جميع الأوراق تملكتك الدهشة لأنك لن تجد شئ مختلف..بل ان سرها كان مكنونا في طيات أوراقها..وعبثا بعدها تحاول لملمة الأوراق المبعثرة وإعادتها مرة أخرى إلى مكانها..لكن فاتك الوقت يا صديقي..!
استدار نحو عبد الخالق واخرج قصاصة ورق من جيبه قائلاً: هل تحب أن تسمع كلمات مجنونة على أنغام هذا المطر..؟!
تبسم عبد الخالق قائلاً: أهي كلماتك..؟!
هز كتفيه وقد بدأ المطر يشتد تدريجياً في هذه الساعة المتأخرة من ليالي القاهرة: نقلتها من أحدهم اسمه جميل طاهر أو ظافر لا أتذكر الاسم جيداً..
وقف تحت إعلان كبير فوق أحد أعمدة الإنارة وهو يحاول عبثاً حماية قصاصة الورق من إلحاح المطر قائلاً: سأغلق أفكاري بقفل صدئ حتى يسهل كسره في الشتاء
وأخرجُ حاملا ًسجائري وأقلامي ودفتر
وسأشرب القهوة حتى الثمالة
وأكتب حتى تفشل يدي.
سأكتب لكل الأصدقاء والأحبة
حتى ينتظروني إلى فصل الشتاء.
سأحجز موعدا مع موج البحر
وأرجوه أن يخفف ثورته في كانون الثاني
وأذكِّرهُ بأن لكل شيءٍ نهاية.
سأكسر غروره
وأرغمه على استقبالي
بحفاوة.
وسأحبُّكِ
وأتعرَّفُ على أخريات
وسأكتب عنكن في الشتاء.
وسأكون أجمل وأقوى
وأقل صبرا
وعنيفا وصلبا
ونرجسيا في كل يوم وفي كل ليلة..
إلى أن أقتل في آذار وأرحل كما جئت..
سابقا لأواني.
أخرج عبد الخالق الموبايل من جيب معطفه وسحب غطاء الكاميرا وأطلق العنان لضوء الفلاش المبهر يغمره تحت زخات المطر..
قال متعجباً: ماذا التقطت الآن ..؟!
تبسم عبد الخالق قائلاً: لا شئ..مجرد لحظة جنون..!
فيروز تنشد من بعيد بكلمات لم يفهم منها سوى "رجعت الشتوية"...
ردد في نفسه: عظيمة هذه الفيروز..كل الحروب انتهت..إلا صوتها لم ينتهي بعد..
صديقه عبد الخالق لا زال يحكي موضوعاًً يبدو هاماً ومع هذا فهو غير مكترث لما يقول..
أخذ يراقب اثنين من رواد المقهى " المودرن" يلعبان الطاولة وصوت الفيشات يختلط بكركة الشيشة..
في نفسه يعلم أن التدخين حرام شرعاً ومع هذا لم يمنع نفسه من استنشاق نكهات الشيشة المختلفة التى تناثرت من حوله وكأنها مشاعل في المشهد الشهير "جواز عتريس من فؤادة بااااااطل"..
تساءل في نفسه: ماذا لو قمت الآن وسكبت ماء فوق فحم هذه الشيشة المتوهج بحمرة الصيف مع أننا في شتاء ديسمبر ..
تبسم من تخيل الموقف والذهول يرتسم على هذين الرجلين..ثم قهقه وهو يتخيلهما يوسعانه ضرباً مبرحاً على مسمع ومرآي من جميع رواد المقهى..
انتبه على نظرات صديقه عبد الخالق يحدق فيه مذهولاً فقال مبتسماًً: لا عليك تذكرت شيئاً أضحكني..أكمل حديثك إني أسمعك..
وأصل عبد الخالق حكيه متشككاً في انتباهه لكلماته..بينما غرق هو في خواطره مرة ثانية..فجأة قطع حديث عبد الخالق قائلاً: هيا نتمشى على النيل..
صاح عبد الخالق مشدوهاً: والسحلب ..!
لا زال عبد الخالق مذهولاً من رغبات صديقه المجنونة بعد مغادرتهما المقهى..في هذه الليلة خفيفة المطر التى تؤكد فيها فيروز"رجعت الشتوية"...
صعد فوق أحجار الرصيف العريض الملاصق للنيل وصرخ في عبد الخالق بطفولية: هل تعلم لماذا أحب النيل..؟!
منحه عبد الخالق نظرة غاضبة من أثر البرد من تلك التى يعقبها: اذهب أنت وأفكارك إلى الجحيم..
فقال مبتسماً: لأنه يذكرني بها..
ثم قال بجدية وهو يقفز من على الرصيف :المرأة يا صديقي عقلها في قلبها..أما نحن الرجال فعقولنا تتجول باستمرار في حواسنا الخمسة بالإضافة إلى حاستنا الإنجابية..
هم عبد الخالق بقول شئ ما إلا أن رزاز المطر منعه فتدثر بياقة معطفه المنتفخ ولاذ بالصمت..
فقال: أعلم انك تريد أن تدافع عنا معشر الرجال..ولكن هيهات هيهات..!
كاد ان ينزلق وهو يتعثر ببركة ماء تحت الرصيف لكنه تماسك قائلاً: إنها زهرة مثل الياسمين تمنحك عبيرها لمرة واحدة..بينما انت تريد أن تقطع أوراقها بحثاً عن شئ بداخلها..تهتك طيبتها وطفولتها..حتى إذا مزقت جميع الأوراق تملكتك الدهشة لأنك لن تجد شئ مختلف..بل ان سرها كان مكنونا في طيات أوراقها..وعبثا بعدها تحاول لملمة الأوراق المبعثرة وإعادتها مرة أخرى إلى مكانها..لكن فاتك الوقت يا صديقي..!
استدار نحو عبد الخالق واخرج قصاصة ورق من جيبه قائلاً: هل تحب أن تسمع كلمات مجنونة على أنغام هذا المطر..؟!
تبسم عبد الخالق قائلاً: أهي كلماتك..؟!
هز كتفيه وقد بدأ المطر يشتد تدريجياً في هذه الساعة المتأخرة من ليالي القاهرة: نقلتها من أحدهم اسمه جميل طاهر أو ظافر لا أتذكر الاسم جيداً..
وقف تحت إعلان كبير فوق أحد أعمدة الإنارة وهو يحاول عبثاً حماية قصاصة الورق من إلحاح المطر قائلاً: سأغلق أفكاري بقفل صدئ حتى يسهل كسره في الشتاء
وأخرجُ حاملا ًسجائري وأقلامي ودفتر
وسأشرب القهوة حتى الثمالة
وأكتب حتى تفشل يدي.
سأكتب لكل الأصدقاء والأحبة
حتى ينتظروني إلى فصل الشتاء.
سأحجز موعدا مع موج البحر
وأرجوه أن يخفف ثورته في كانون الثاني
وأذكِّرهُ بأن لكل شيءٍ نهاية.
سأكسر غروره
وأرغمه على استقبالي
بحفاوة.
وسأحبُّكِ
وأتعرَّفُ على أخريات
وسأكتب عنكن في الشتاء.
وسأكون أجمل وأقوى
وأقل صبرا
وعنيفا وصلبا
ونرجسيا في كل يوم وفي كل ليلة..
إلى أن أقتل في آذار وأرحل كما جئت..
سابقا لأواني.
أخرج عبد الخالق الموبايل من جيب معطفه وسحب غطاء الكاميرا وأطلق العنان لضوء الفلاش المبهر يغمره تحت زخات المطر..
قال متعجباً: ماذا التقطت الآن ..؟!
تبسم عبد الخالق قائلاً: لا شئ..مجرد لحظة جنون..!
3 عبرني:
كم انا مشتاقا ان اقرأ اتحافاتك القصصية التى حرمنا منها طويلا .......ولكن وااسفاه لست فى مزاج يسمح لى بالقراءة الان فالى لقاء اخر ....
وكل عام وانت بخير وتقبل الله منا ومنك
بلغ عظيم سلامى لسهيلة
كلام رقيق بالرغم من صخب القهوة ورائحة الشيشة إلا إن جنون المطر دائما بدواخلنا فمجرد أن تمطر السماء نتمنى أن نعود أطفالا فنجري إلى النوافذ لنفتحها ونتشمم رائحة المطر و نتذكر حينما كنا أطفالا ونتحجج بأننا في حاجة إلى أقلام أو لوازم مدرسية فقط لننزل إلى الشوارع لنقف تحت المطر بدلا من أن نحتمي منه...
كل عام و أنت بخير وشتاء سعيد
"المرأة يا صديقي عقلها في قلبها..أما نحن الرجال فعقولنا تتجول باستمرار في حواسنا الخمسة بالإضافة إلى حاستنا الإنجابية.."
"إنها زهرة مثل الياسمين تمنحك عبيرها لمرة واحدة..بينما انت تريد أن تقطع أوراقها بحثاً عن شئ بداخلها..تهتك طيبتها وطفولتها..حتى إذا مزقت جميع الأوراق تملكتك الدهشة لأنك لن تجد شئ مختلف..بل ان سرها كان مكنونا في طيات أوراقها..وعبثا بعدها تحاول لملمة الأوراق المبعثرة وإعادتها مرة أخرى إلى مكانها..لكن فاتك الوقت يا صديقي..! "
كيف استطعت بلورة الأمر هكذا؟
كيف اختصرت هذه العلاقة المتشابكة وفككت طلاسمها بسلاسة وبساطة؟
عبقري أنت يا زوجي
إرسال تعليق