هدأت الأعصاب قليلاً بعد أن تراجع قاضي القضاة عن موقفه وعاد إليه حرصه ، وراح الضيوف يتبارون في السخرية من فكرة البعث أساساً .
وتناول قاضي القضاة كأسه ورفعها إلى فمه ، حاول جاهداً ألا ترتعش يده وهي تحمل الكأس ولكنه لم ينجح ..واستمع مسرور إلى الحوار الذي كان يسخر أساساً من فكرة القيامة والحساب والبعث ، وأحسّ مسرور باحتقار بالغ لما يجري
قال: أيها السادة ، أنتم تتحدثون كالصبية .. ماذا فعلتم لدفع الخطر؟
سأل الوزير الأول : أي خطر ؟تجاهل مسرور سؤال الوزير وتوجّه بنظراته إلى كبير البصّاصين ..
وسأله : ماذا قال الرجل .؟
قال كبير البصّاصين : قال إننا سنقوم من الموت ونقف للحساب أمام إله واحد ،
ابتسم مسرور وقال : هذا يعني أن الرجل ينكر آلهتنا .. وهذا يعني أن هناك مؤامرة واضحة ..تراجع الجالسون إلى الوراء قليلاً في مقاعدهم
وسقط عليهم قول مسرور كالصاعقة ..كان أسرعهم إلى الحركة هو رئيس العسس ...
قال –وهو يفكّر-: خطر لي هذا يا سيّدي .. وقد راقبنا "مقرور" أياماً متواصلة فلم نره يتصل بأحد ، ولا نما إلى علمنا أن أحداً يتّصل به .. ورغم ذلك .. فإننا لم نزل نراقبه ..إن الرجل يسكن في كوخٍ له باب أضعف من أن يصدّ الرياح .. ومن ثم فإن الباب مفتوح طول الوقت .. ونحن نراقبه من خلال الباب المفتوح .. المشكلة التي صادفتنا ، أو بمعنى أصحّ .. المشكلة التي فجّرتها هذه القضية في عقلي أنه ليس لدينا نحن العسس قدرة لمعرفة أفكار الناس ، وبالتالي فإننا لا نعرف كيف يفكّر مقرور .. ولن نخسر شيئاً لو انتظرنا .
قال مسرور : آه ، أنتم تريدون الانتظار حتى يشعل مقرور النار في نظام المملكة .. وهو النظام الذي اختاركم لتكونوا كلاباً لحراسته .. وهو النظام الذي يطعمكم ويؤويكم ويمنحكم سلطات هائلة من أجل حمايته ..أراكم تنتظرون حتى يتحرك مقرور ، بعدها تتحركون أنتم .. هذا يعني أن حركتكم قد صارت تابعة لحركته .
الحُكــم
صمت الحاضرون جميعاً حتى انتهى مسرور من كلامه .. ثم توالت اقتراحات الجالسين لعلاج القضية ..
قال الوزير الأول : فهمت أن هناك مؤامرة إذن ..
قال رئيس العسس : الرأي أن نسجن "مقرور" .
قال كبير البصّاصين : التهمة واضحة .. إشعال النار في نظام المملكة ، واحتقار الآلهة وازدراؤها ..
قال قاضي القضاة : القضية جاهزة للحكم ، هذه تهم عقوبتها الإعدام حرقاً ..ضحك مسرور فسرى إلى الجالسين إحساس بمرور الأزمة ، ولكن (مسرور) ضرب إحساسهم بالراحة حين عاد يقول :مازلتم تتحدثون كالصبية .. مؤامرة وتهمة وقضية وحكم .. إننا نلفت الأنظار إلى أهمية الرجل ، ونجعل منه شهيداً دون داعٍ ولا مبرر، الرأي السليم أن يموت هذا الرجل بحادثٍ مؤسف .. ينام نوماً ثقيلاً بعد أن يشرب كأساً من الماء ، ثم ينفتح باب كوخه بسبب الرياح فيقع المشعل ويحترق الكوخ .. ويحترق معه مقرور .. ويتم هذا كله بهدوء .. ودون ضجة .. وبغير إعلان وسوف يسجّل العسس أن الرجل أهمل إغلاق بابه وكان إهماله سبباً في موته ..
أحنى الجميع رءوسهم موافقين .. وأشار مسرور إلى الجارية التي تصبّ النبيذ أن تصب للضيوف كأساً جديدة .. وشرب الحاضرون نبيذاً في لون النار .. وبدأ سباق هادئ بين الضيوف في نفاق مضيفهم ..
قال الوزير الأول : لولاك لغرقت المملكة ..
قال كبير البصّاصين : ماذا كنا نفعل بدونك ، أنت ملهمنا دائماً .
قال رئيس العسس : لقد تلقيت الليلة درساً في مهنتي لا أظن أن تجارب العمر الطويل فيها قد لقّنتني مثله ..ووجد قاضي القضاة نفسه وقد جاء دوره ..
فتنحنح قليلاً ثم قال بصوتٍ معتذر : هذه أسرع قضية حكم فيها بالعدل .. لقد صدر الأمر بإعدام مقرور قبل أن ننتهي من العشاء .. لطالما شكا العدل من البطء ، اليوم يسبق العدل السرعة ..وهذا إنجاز في حد ذاته .
صــلاة
نهض مقرور من نومه وهو يرتعش .. كان باب الكوخ مفتوحاً فاتجه نحوه لإغلاقه .
فوجئ بكلبٍ أصفر اللون عسلي العينين يربض عند مدخل الكوخ .. هزّ الكلب ذيله حين شاهد "مقرور" ..
قال مقرور في نفسه :سبحان الله .. هذا ضيف أرسله الله تعالى إلينا .. فتّش بعينيه في زوايا الكوخ عن طعام فلم يجد غير إناء يمتلئ قاعه باللبن .. وضع الإناء أمام الكلب فنظر إليه الكلب بعينين شاكرتين وهو يهزّ ذيله ، ثم وضع بوزه في اللبن وراح يلعقه ..ترك مقرور الكلب يستكمل طعامه ودخل الكوخ .. غسل وجهه ويديه وقدميه وانخرط في صلاة عميقة .
قال مقرور لله وهو مستغرق في صلاته :اللهم اغفر لي تقصيري في عبادتك ، واغفر لي فقري وقلة إحساني للخلق ، وسامحني في حياتي القديمة ، وارحمني برحمتك يوم الوقوف بين يديك ..شفّت روحه وصَفَت وهو يصلّي ..وانحدرت دمعة من عينه فشقّت مجراها في أخدود صنعته الدموع في وجهه ..واستنشق مقرور رائحة غريبة لا عهد له بها .. رائحة عطر يشبه روح الريحان ، ولكنه ليس الريحان الذي يعرفه هو في الأرض .. وخُيّل إلى مقرور أنه ليس وحده في الكوخ .. وخُيّل إليه أن هناك وجوداً ما لكائنٍ غريب ..أراد مقرور أن يلتفت ولكنه كان يصلّي فخشي أن يفعل .
وفاض قلبه بشعور من الرضا المستطاب في الله .. تذكّر أخطاءه الماضية أيام كان قاطعاً للطريق ، وتذكّر توبته لله وإخلاصه له حين قابل هذا النبي الكريم أثناء رحلته في الشرق ..
وقال لنفسه :من يدري .. لعل الله لم يقبل توبتي ، ولعلي من الهالكين .. زاد بكاؤه وخرّ ساجداً .
رفع الكلب رأسه من إناء اللبن وراح يهزّ ذيله ويستمع لبكاء مقرور ..ووصل رئيس العسس وكبير البصّاصين وشرذمة من الجنود .. وراحوا يتأملون "مقرور" وهو ساجد يبكي من خلال الباب المفتوح ..
قبـض
أشار كبير البصّاصين إلى مقرور وهمس لرئيس العسس: ها قد ضبطناه متلبساً بالسجود لغير آلهتنا .. لماذا لم نقتله ونستريح .. ألم تكن هذه أوامر السيد الأعظم في المأدبة .. ألم يحكم عليه بقتلٍ يبدو حادثاً مؤسفاً .
قال رئيس العسس وهو يخافت من صوته : لقد غيّر السيد الأعظم رأيه ، استدعاني في الصباح التالي للمأدبة وأمرني باستحضار مقرور للقائه ..
قال كبير البصّاصين : أتراه لا يثق فينا .. أيريد أن يقتله هو بنفسه ؟
قال رئيس العسس : عقلك دائم الشك .. لماذا تظن ذلك ؟
قال كبير البصّاصين : هذه مهنتي .. ماذا ترى أنت ؟
قال رئيس العسس : أظن أن السيد الأعظم يريد أن يلهو قليلاً به قبل قتله ، ألم تر قطة وهي تلتهم فأراً .. هل تأكله على الفور أم تلعب به ساعات طويلة ؟
همس كبير البصّاصين : يريد أن يلهو به إذن .. قلبي يحدثني أن وراء الأمر كلّه شرّاً مستطيراً .. هاهو ساجد لا حول له ولا قوة .. لو قتلناه لانتهى الأمر ..
قال رئيس العسس بحزم هامس : الأوامر التي لدينا هي ضبطه وإحضاره .. نحن مأمورون في نهاية الأمر .. هل تقبض عليه أنت أم تترك لي هذه المهمة ؟
قال كبير البصّاصين : لا .. القبض مهمتك أنت .. أما استخراج الحقيقة فمهمتي أنا ، لن أتدخّل في مهمتك فلا تتدخل في مهمتي .. دعه لي إن لدي ألواناً من العذاب تجعل الحجر يعترف بكل شيء
كان مسرور يجلس في إيوانه للحكم بين الناس حين دخل الحارس وأعلن عن وصول المتهم ، أمر مسرور بإخلاء الإيوان ، فخرج الجميع باستثناء الوزير الأول وقاضي القضاة والجلاد .. بعد قليل دخل كبير البصّاصين ورئيس العسس وهما يمسكان "مقرور" ويحاولان معاونته على السير في سلاسله الحديدية، تأمل مسرور "مقرور" ..
كان مقرور يرتدي ثوباً قد اهترأ في كثير من مواضعه حتى ظهر لحمه من تحته ، وكان حافياً قد اغبرّت قدماه من تراب الطريق .. وكان وجهه شاحباً ومطمئناً في نفس الوقت .. وكانت عيناه الصافيتان العميقتان تعكسان في أعماقهما دهشة بالغة ..تأمّل مقرور الجدران التي صنعت من خشب الصندل المنقوش بالذهب وزادت دهشته .
............................................................
الحلقة القادمة(4):تحقيق
ترقبوها
6 عبرني:
اما بالنسبة للبوست ده
انابعدين هاعلق عليه
لما القصة تخلص
يا
سم
سم
مجهول
.....
طب
ربنا يسهل
ويديك طولة العمر
تحياتي
ربنا يسترعليك يا مقرور
...وبعدين
اموووولة
........
ربنا يخدك يا مقرور
هكملك اهو
تحياتي
ايه دا انا شكلى جيت متأخرة شوية
يلا كويس عشان اقرا الحلقتين ورا بعض
من غير ما ابئامستنية
انا هروح على الحلقة التانية
ربنا مع مقرور لحد ما اروح
بريك
....
لأ يا فندم...مش عاوزين دلع ضاكتره
تيجي المحاضرة من اولها
والا مسرور هيستناكي علي الباب
وانت عارفه الباقي
تحياتني
إرسال تعليق