أزمة كومبارس


فجأة...
إستدعاه مساعد المخرج إلى مكتبه..
بضع كلمات موجزة خرج بعدها مغموراً بالفرح..
بعد العرض إنهمك الجمهور في التصفيق الحار له..
حتى بعد إسدال الستار طلب الجمهور تحيته مجدداً..
في تلك الليلة والتي تليها لم يصافحه المخرج مطلقاً..
واكتفى برؤية شئ من العرض المسرحي على مضض..
كان غياب الممثل الأول للفرقة ونجم الشباك كارثة الموسم..
شباك التذاكر يشكو لمدير المسرح ضغط الناس وقلة المقاعد..
نقل المدير للمخرج رغبته في عرض ثان لإستيعاب الجمهور..
لمحت الجرائد في صفحاتها الداخلية بموهبة واعدة تشق الطريق..
بينما انشغلت المانشتات الرئيسية بفضيحة النجم واستطلاع الجمهور..
تبدلت حياته في هذه الأيام من كومبارس مغمور إلى ممثل مغمور أيضاً..
كل شئ تبدل خلال أيام بدءاً من روائح الأشياء وانتهاءً بملمسها..
زملاء الفرقة نصفهم فخورين به ونصفهم أكل قلبه الحسد..
المخرج يتغيب باستمرار لحضور تحقيقات النيابة مع النجم المتهم..
ضبط متلبساً بتعاطى المخدرات والفعل الفاضح في سيارته..
سانده المخرج وألح على شخصيات ثقيلة لتتدخل..
تمزق المحضر وحفظت النيابة التحقيق..
أيام سعيدة عاشها الكومبارس المغمور..
وأخرى تعيسة للنجم المتهم..
حبس الجمهور أنفاسه مثل كل ليلة..
سعيداً بمشاهدة موهبة مغمورة تتفتح..
وأمسك عامل الستار بالحبل مبتسماً ليجذبه..
رويداً رويداً..
متعمداً الحد الأقصى من الإثارة..
قطع الممثل المغمور الطرقة صوب خشبة المسرح..
لا ينقصه شئ ..
الثقة..
والرغبة..
وفوق هذا يتقن دور البطولة عن ظهر قلب..
فجأة أشار له المخرج بالتوقف..
وهو في طريق صعوده خشبة العرض..
عقدت لسانه المفاجاة..
وأصابه الذهول..
أدرك في الثواني التى تليها..
أن احداً ينتزع فرصته الوحيدة..
من بين أصابعه..
فى تحدِ واضح..
نقل قدمه خطوة أخرى تجاه حلم حياته..
اشتعل المخرج غضباً..
همس له دون ان يسمعه الجمهور..
يأمره بالمغادرة والتوقف..
غير مكترث..
واصل الممثل المغمور تحديه..
وقطع خطوة اخرى في طريق طموحه..
غير آبه بصرخات المخرج المكتومة..
إنقض المخرج يسبقه إلى خشبة المسرح..
غمرت الأضواء المكان فجأة..
إضطرب الجمهور ..
وتوجس من سماع خبر توقف العرض ثانية..
تبسم المخرج متلعثماً باحراج بالغ..
بجواره وقف الممثل المغمور يتأمله في صمت..
الكل يعلم أن المشهد دخيل على النص الأصلي..
لكن الجمهور عاجز عن الاعتراض أو الكلام..
تمالك مخرج العرض المسرحي نفسه..
ألقى على الجمهور بالمفاجأة..
" أبشركم بعودة نجم العرض الليلة.. بعد براءته.."
ثم تابع في نشوة بالغة ..
"وها هو أمامكم يقود فرقته من جديد"..
صفق الجمهور في هياج شديد وهو يردد..
" كفارة..يا معلم..كفارة..يا شديد"..
في حركة تمثيلية متفق عليها..
قفز نجم العرض والبطل الأول إلى خشبة المسرح..
بينما أدار الممثل المغمور مفتاح سيارته الـ128 ..
منسحباً من السيناريو نهائياً..
لم ينظر موظف المطار للشخص الواقف أمامه..
ووضع شعار الجمهورية على جوازه غير مكترث..
علق صاحب الجواز حقيبته على كتفه..
وعلى ما تبقى في عينيه من وطنه..
ألقى نظرة الوداع الأخيرة..
قبل ان يغادره..
وللأبد..

2 عبرني:

أميرة يقول...

لم يخرج الكومبارس المغمور من المسرح خالي الوفاض فقد حمل بطولة "شرفية" ربما كانت تقوده لبطولات حقيقية، ولكنه عجل بقتله حلمه ورحل

يا مراكبي يقول...

تحفة .. نص رائع ومعبر جدا

معبر عن حال مصر والدنيا كلها أحيانا أيضا

انها ليست أزمة كومبارس بقدر ما هي أزمة أخلاق وسوق