والله مجرد حلم..!!


أخذ دوره وانحشر بصعوبة داخل الصف...
متلهفاً مد يده وشمر عن ذراعه ...
مبتهجاً بالمحقن ينغرس في وريده...
تخيلهم ينزفون دماً رغماً عنهم...
وهاهو ينزف دماً بكامل إرادته...
إمتلأ الكيس عن آخره...
بأدب رفض علبة العصير وقطعة الشيكولاتة التي قدمت له...
إنخرط في تحرير الأخبار ومتابعة الوكالات أثناء ساعات العمل...
وبالرغم من إنشغاله لم ينزل بصره من على فضائية الجزيرة...
يخفق قلبه مع كل زخة ذخيرة تطلقها طائرات الاحتلال وتلاحق الأبرياء ...
قاوم أكثر من مرة القيام من على مكتبه ومد كفه داخل التلفاز...
محاولاً إنتشال طفل يتخبط رعباً وفزعاً تحت القصف...
تخيل صغيرته إبنة الثلاث سنوات معهم في أتون المحرقة...
كلهم أولاده..
كلهم أمهاته..
كلهم شقيقاته..
كلهم أخوته...
وكلهم شهداء...
إنتهى الدوام..
سابقاً ظله ومشتبكاً مع افكاره...
ذهب إلي صديقه...
أخرج ما إستطاع حصاده من الجنيهات...
تشممها وتلمسها ولثمها ...
وتخيلها تقع في يد المحاصرين الجائعين...
في الليل...
ظل متسمراً أمام فضائية الجزيرة يعتري وجهه الغضب...
يضرب بقبضته الأرض كأسد جريح...
يعتصره قيد العجز في محبسه...
إنها الثانية ليلاً ...
يختم بمشهد رئيس قطر وهو يردد..
"حسبي الله ونعم الوكيل"..
أغلق التلفاز والريسيفر...
وقام مترنحاً من الهم إلي غرفته وأشعل المدفأة...
دس جسداً يعتصره الحزن في سريره...
وإحتمى من قصف البرد القارص ببطانيته الوثيرة...
لحظات...
قفز الي ذهنه صورة الأطفال وأمهاتهم ...
هائمون في شوارع القطاع في هذه اللحظة...
تخيل روعهم وصراخهم ودموعهم ...
قبيل لحظات القصف ونزيف الدماء...
تسربت دموعه من معابر جفنيه فاوسع لها الطريق...
ولم يمنعها أو يشارك في حاصرها...
قام وأزاح عن جسده البطانية...
وأطفأ المدفأة وفتح شباك الغرفة...
ليدخل البرد الوحشي ويقصفه ويلتهم من جسده ليشعر بهم...
دقائق...
قفز إلى ذهنه صوت أخته تحت الركام ...
تصرخ لمراسل الجزيرة " إنقذونا..حرام عليكم..حرام عليكم"...
واستمر صراخها يتردد في عقله ويتوغل حارقاً الطريق الي قلبه...
إنهمرت دموعه بالعشرات ودفن وجهه بكفيه...
نزل من على سريره وإستلقى على سجادة الغرفة...
ثوان...
قفز الي ذهنه الأطفال جرحى وشهداء...
على بلاط المشفى القاسي بلا غطاء فوقهم ولا فراش تحتهم ...
والأهم أنه لا أب ولا أم على قيد الحياة يبكيهم...
أزاح سجاد الغرفة وخلع ملابسه وخنقته العبرات...
وتكوم على البلاط البارد يرتجف جسده حزناً والماً عليهم...
لحظات...
تخيل أنين المختنقين تحت الركام وإنفاسهم تتسرب مع بقايا أرواحهم...
حشر جسده العاري تقريباً تحت سريره وسط نحيبه ونشيجه المتواصل...
لحظات...
وغرق في النوم...
رأي رئيس الجمهورية يلقي بياناً عسكرياً ...
ورأي نفسه بين جموع الناس يكبر ويهلل ويسجد لله شكراً...
قال الرئيس: أيها الأخوة المواطنون..
يا شعب مصر العظيم..
إنني أعلن أمام الله ثم أمامكم توبتي ...
من جميع القرارات التي إتخذتها...
تحت هوى نفسي وضغط دولي لمساندة إسرائيل..
وأناشدكم الصفح...
ثم قال الرئيس: أيها الأخوة المواطنون..
أعطيت اوامري قبل هذا الخطاب..
بفتح جميع المعابر..
وفتح الطريق أمام خيل الله لتلحق بركب الشهداء
الأبطال في غزة الصمود...
وأضاف الرئيس: لننس الماضي بكل جراحه..
ولنلتفت الأن فقط إلى العدو الصهيوني
ليس عدونا نحن فقط..ولكن عدو المنطقة والأمة بأسرها..
ثم قال بحزم: منذ اللحظة تُعلن التعبئة العامة في جيشكم العظيم..
وليحمل من يستطيع منكم السلاح...
ولتصلي نساؤكم في البيوت...
وتبتهل الي الله بالنصر والتمكين...
ولتصدح المنابر بالتكبير...
والله أكبر والنصر للإسلام...
وليتقبل الله شهداءنا ...
لحظات...
وفتح عينيه على أحذية غليظة بجوار رأسه...
الأسلحة مدججة ومصوبة الي وجهه...
الأيدي على الزناد في تحفز والوجوه صارمة..
ميز صوت يقول بلهجة صارمة: أنت فلان...
يتأكد انه ليس جندياً صهيونياً يلاحقه في حلمه...
يخرج من تحت سريره...
يمسك بملابسه يرتديها على عجل...
يرد بين يقظة ونوم: أيوة أنا..حضراتكم مين..؟!
الصوت الصارم: حتعرف لما تشرف عندنا يا (روح أمـ....)..!
هتف مستغرباً وقد استرد وعيه: ده مجرد حلم يا رجالة..والله مجرد حلم..!!

2 عبرني:

غير معرف يقول...

خير اللهم اجعله .. حقيقة

بيتنا القديم يقول...

غير معرف
.......
لا يا فندم ..!!

ده كله مجرد حلم ..!

(: