عطر الليل


ايييييييييييييييييييييييييييه يا شباب..
فعلاً ياما الدنيا فيها وفيها..والناس ابواب مغلقة على ما فيها..
وكل باب وراه حكاية..
المهم
عندي خالي - أخو الحاجة يعني- رئيس محكمة (..........) وساكن في حي المعادي...
الكومبيوتر عنده بعافية حبتين وطالبني أعمله عمل أو حجاب الكتروني يعيده لوعيه تاني..
أخدت العدة على كتفي بالليل في السقعة دي..
وناديت :أصلح هراريد..وبوراريد ..وأسلك برسيسورات ..وأكافح الفيروسات..وأرجع الويندوز لمراتوه..!
المهم تاني
لاقيت تاكسي..شاورت وقف..دخلت وقلت: سلامو عليكو..!
فاجئني صوت رفيع جداً واضح انه بتاع آنسة جاي من الخلف بيقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
شعر راسي وقف..وإكمننا كنا بالليل والجو برد ومش حد ماشي في الشارع تقريباً..تخيلت ان السائق سيخرج قدمه التي على شكل ساق معزة زي فيلم جائنا البيان التالي..!!
المهم تالت
نظرت ورايا فوجدت آنسة بلا يدين ولا قدمين- أقسم بالله مش بهزر- الغريب إن السائق مش ليه رجلين معزة زي ما ظنيت- إن بعض الظن إثم- وهو بيكلمها يبقا يعرفها..بل بيقولها : شاطرة يا شوشو..!
المهم رابع
أنا سكت خايف أسأل أحرج البنت..قوم ايه قولتلها: إزيك يا شوشو..!
رديت عليا وبعدين لاذت بالصمت.. وانا كمان سكت والسواق سكت..ولم يقطع السكون الا صوت عجلات السيارة وهى تهرول فوق الأسفلت المبتل برذاذ الماء...ومساحات الزجاج تتحرك على زجاج السيارة لتمسح ما علق به من بخار الماء المتكثف..!
وصلنا لبيت خالي ..حموت وأعرف القصة..قتلني فضولي ولمح السائق ذلك بسهولة..سألته: دي بنتك..؟!
رد السائق بابتسامة رضى: ايوه دي شيماء بنتي..عمرها 17 سنة حافظة قرآن..ومولودة كده بدون يدين أو قدمين..وبتزهق من قاعدة البيت فبعدي عليها آخر النهار آخدها معايا في التاكسي تتمشى شوية..!
أعطيته أجرته التى طلبها..وأطلت النظر الى شيماء - شوشو- متعجباً من حكمة ربنا..وصبر شيماء..ورضى والدها..ومن تذمرنا لبعض أحوالنا..ثم إبتسمت لها وقلت: مع السلامة يا شيماء خالي بالك من نفسك..!
تابعت التاكسي حتى غاب في الأفق وتسائلت بيني وبين نفسي: ماذا لو لم يكن التاكسي والسائق وما رأيت حقيقي..ماذا لو كان ذلك ملك..بعثه الله الي عبده الفقير..لينبهه أن في الدنيا من أصحاب الإبتلاءات من هم أشد منك..ومع هذا خبزهم الصبر و شرابهم الرضي..!!
***
خلصت كمبيوتر خالي وظبطت المظابيط وروشت الجو وكتبت الروشتة الألكترونية..ووضعت السماعة في حقيبتي..وقلت لهم الكومبيوتر ده محتاج راحة شهرين..وراحته الكبيرة إن ( زهوة ومريم وعبد الله ) يرحموه شوية وبلاش أي أعمال تخريبية في الويندوز..!!
إتعشيت عند خالي وشربت ماء زمزم - والد زوجة خالي كان لسه جاي من الحج- لعبت شوية مع مريم وزهوة وعبد الله..ثم إنصرفت..
كانت الساعة تشير الى الواحدة صباحاً بعد منتصف الليل..الشوارع مش فيها مخلوقات بشرية..أشباح فقط خارجة تلقط رزقها وتخوف البني آدمين..قرأت آية الكرسي وإنشغلت في التسبيح..الهواء البارد يصفع وجهي..أشفقت يدي المدفية في جيبي على ودني التي نال منها الصقيع..لحظات ولاح شبح تاكسي يتسكع من بعيد..قرأت سورة الفلق حتي يحترق لو كان عفريتاً.. لم أحتاج أن أشير اليه..لو إنس حيقف ولو عفريت حينصرف لا يأذينا ولا نأذيه ..!
دلفت الى داخل التاكسي واغلقت الباب من البرد..وحددت له وجهتي ..وهي كورنيش النيل بالطبع..
المهم
تكلم السائق بكلام من نوع الدنيا والحال وربنا يخرب بيت ام الريس على أم عياله.. أنا قلت في نفسي مردش أحسن..ماهو لو مواطن عادي حيسكت من نفسه..ولو كان كمين يبقا حينصرف لا يأذينا ولا نأذيه..!!
المهم تاني
سألته إنت معاك ايه ياسطى..رد انه حاصل على ليسانس آداب قسم حضارة شرقية دفعة 85..وان ساب الوظيفة واشتغل على التاكسي ده عشان المسئوليات..استغربت ان عمره لسه صغير..وايه يجبره يشتغل ليل نهار على تاكسي..سألته عندك كام عيل بعد ما قال انه متزوج ويعول..قال عنده عشرة - 10 - بنات وولد واحد..!!
قلت في سري وأنا مذهول ..ماشاء الله ربنا يخرب بيت اللي اخترع الفياجرا حتبوظ الإقتصاد..!!
لما شاف إستغرابي بدأ في سرد المهم من حكايته وكانت حبات المطر تضرب سقف السيارة وجوانبها في عناد غريب..ويكاد بخار الماء يحجب الرؤيا تماماً..والراديو بتاع التاكسي مصمم على برنامج من اللي بيستضيفوا فيه مسئول جاي مش عارف يتكلم في ايه فبيسترجع الذكريات..!!
المهم تالت
قال السائق بحزن يسع اسعد سعداء الكون..انه كان له اخت متزوجة وتعمل هي وزوجها في الكويت..كان عندهم 6 بنات وولد واحد..كان لهم زيارات متكررة لمصر..في زيارة مشئومة..تركت أخته حقيبة هامة في ميناء السويس..ولما عادت الى القاهرة تذكرتها..اتصلت بالميناء وأخبروها أن الحقبية في حوذتهم..اتفقت هي وزوجها على السفر..اشترط زوجها ان تنام هي ويقود هو السيارة في الذهاب .. وفي العودة ينام هو تتولي هي القيادة..وفي العودة قرر القدر أن ينام الأثنان للأبد..فأرتطمت سيارتهما في شاحنة محملة بأسياخ البناء فكان ما كان من نهايتهما الأليمة..!
مسح السائق دمعة كادت تفضح تماسكه..ولاذ بالحمد والاستغفار بضعة دقائق..ثم أكمل باقي الحكاية..وقال انه ضم اولاد اخته الى أولاده ..فصار عنده هذا العدد من البنات والبنين..ولأن أبناء أخته لهم ثلاثة أعمام أحدهم متوسط الحال..واثنان من الأثرياء..فلم يبخل متوسط الحال عنهم بما يسر الله له ولو بالزيارة والسؤال..اما ميسورى الحال فخشية الأنفاق توقفا عن الزيارة والسؤال..!
تنهدت واشحت بوجهي ناحية الزجاج المجاور لي أمسح دمعة أخفيتها عن السائق..ومع استحالة الرؤيا في ظل هذا الضباب قلت له: النبي صلى الله عليه وسلم وعد كافل اليتيم بصحبته في الجنة..وأنت تكفل 6 أيتام دفعة واحدة هنيئاً لك..ثم وهو الأهم انه من كان عنده ثلاث بنات فعلمهم وأحسن اليهم كن له طريقاً للجنة وحرزاً من النار..وأنت لديك 6 طرق الى الجنة فأبشر خيراً..ثم قلت له : الله أدري حيث يضع هديته..وهو سبحانه من يقرر من يستحقها من عباده..فيضعها بين كفيه..لتزيد حسناته وتمحا سيئاته..ويدخله الجنة بفضل كرمه ورحمته..!!
ثم وصلنا الي وجهتنا وأعطيته ما طلب.. وشكرته على شئ في نفسي لا يعلمه هو ولكن الله يعلمه..وقلت وأنا أسرع الخطى الي البيت في هذا الجو البارد وأحد عمال المساجد يفتح بابه استعداداً لصلاة الفجر: اللهم لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ملء السموات والأرض وملء ما شئت من شئ بعد اهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد..!!

بس خلاص..!

1 عبرني:

Jana يقول...

"وتسائلت بيني وبين نفسي: ماذا لو لم يكن التاكسي والسائق وما رأيت حقيقي..ماذا لو كان ذلك ملك..بعثه الله الي عبده الفقير..لينبهه أن في الدنيا من أصحاب الإبتلاءات من هم أشد منك..ومع هذا خبزهم الصبر و شرابهم الرضي..!!"
****************
فتسائلت بدورى بينى وبين نفسى ماذا لو لم تكن هذه التدوينة والكاتب وما قرات حقيقى...ماذا لو كان ذلك ملك ..بعثه الله الى عباده الفقراء لينبههم أن فى الدنيا من أصحاب الإبتلائات من هم أشد منا ..ومع هذا خبزهم الصبر وشرابهم الرضى ...
فوجب علينا الحمد والشكر