حطب الخبيز..!


بمؤهلات احتيال وتدليس، اشترى بعض رجال الأعمال والسياسة والكتاب والفنانين، شهادات مضروبة بدرجات دكتوراه فى العلم والأدب والسياسة، يديرون بها رؤوسهم فى حانات وشقق وصالونات ومعاهد علمية، يصنعون بها موجات تخلفنا الثقافى، فعلوا ذلك دون أن يتفحصوا رغبات أمثالى فى بيع شهادات دكتوراه أصيلة الحمل عسيرة الولادة.
فى العهد الأول، كان جدى الأكبر فرعونا من أهل مصر، لم يشأ أن يجعل إيقاع حياته أساطيرا مقدسة تلوكها الكهنة عند تدبير الصلوات والمؤامرات، ولم يشأ أن يحبس مومياته فى بطون الأهرامات يدوخ ورائها الورثة واللصوص، ولم يشأ أن يترك اسمه نقوشا تبهت على جدران المعابد وظهور الجعرانات، وأصبح جدى الأكبر فرعونا مع أهل مصر، ينقشون حياتهم على رباط الخيل وأجنحة الطير ونياط القلوب، يعاقرون الشمس والماء والطين، يحصدون الزرع ويحلبون الضرع وينثرون ذرياتهم داخل الأرحام.
فى العهود التالية، كان أبى يؤمن أن الحياة أعطته خيرات كثيرة، زوجة وفدانا من الأرض ودارا من طين يعلوها حطب الخبيز، تعجّ ساحتها بخلفة من بنين وبنات وحمار ودجاج وحمام وأرانب، كان أبى حريصا على تعطيل عيون الحاسدين، يصبح إلى الشغل قارئا الأوراد والتسابيح، ويمسى إلى البيت حاشرا سراديب جلبابه بما يجلبه لنا من لحم وبلح وسمك وبرتقال، وكانت أمى ترد كيد الحاسدين، تنشر فى أرجاء دارنا كفوفا خماسية الأصابع مرسومة بالجير والحناء والروث، كانت أمى تجيد قراءة علامات الجوع على وجوه صغارها من الأطفال والفراخ، وتتحسّس فى الجميع ملامح السّعادة كلما عاد أبى للدار منتفخ الجلباب.
فى طفولتى المبكّرة، كانت الدّواجن ضخمة يبلغ حجمها نصف جسدى، كثيرا ما صارعتها عاريا فى وسط دارنا، ممسكا بلقيمات خبز ممسوسة بالسّكر تعوّدت أمى أن تلقيها فى حجرى كلما شغلتها عنا أمور غسيل أو طبيخ، أحيانا أنجح فى المصارعة والتهم الفتات مختلطا بالتراب وما علق به من أفواه المهاجمين، وأحيانا ينجح المهاجمون فى اغتصاب طعامى ونقر جسدى، ويفضحهم صياحى كلما حاولت فراخ البطّ نقرى فى أماكن العفّة، من يومها تعلمت مطاردة الدّجاج وكراهية البطّ، لكننى أحببت الأرانب، تتراقص أذنها وأنوفها وأفواهها، وتحوّل بكائى إلى ضحكات وحبور.
فى طفولتى المتأخرة، حملت سبات البوص محشوة بالخبز الحاف والجبن القريش والبيض المسلوق، أنتقل من مدرسة إلى مدرسة، ومن قرية إلى مدينة، أدرس الكتب وأحفظ النصوص فى ضوء الشمس وبصيص لمبات الكيروسين، أملأ أحلامى بحكايات قريتنا تنثرها الجدات على حجر المساء، كان نجاحى فى الدراسة غير كاف لإثبات تفوقى بين الأقران، فحين توطنت البلهارسيا فى أجساد أهلنا، أصبح لدينا بطولات أخرى يكسبها كل من يتبول أمامنا قطرات أكثر من الدم.
فى معظم شبابى، تصالحت مع البلهارسيا والهفتان، وانتسبت للجامعة أدرس علوما وإدارة وقانونا، وحصلت على دكتوراه فى إحصاء الناس وعد الأرزاق، ووجدتنى أشغل منصبا جامعيا أنجب أطفالا وأفكارا، وألتقى بمئات من طلاب العلم مؤمنا أن بلدى هى كل مصر، وناسها أهلى فى كل بيت.
فى شيخوختى المعاصرة جمعت شهاداتى فعرفت أن مصرنا ثلاثة أمصار، أولها مصر البلد، حيث غالبية الناس يدبون فى حياة فقيرة يسألون بعضهم اللقمة والهدمة، لا تطعمهم دكتوراه العلم خبزاً أو سكّر، فالعلم يهرب من الجوع الكافر ولا يبين مع الصوت المكتوم، وثانيها مصر المحطة، حيث يعيش أناس متعددو الولاء يروجون لثقافات ترعى أنانية مصالحهم، انتهازيون يتاجرون فى الأقوات والقيم، وثالثها مصر الكّفر، حيث يسكن مماليك جدد فى منتجعات وقصور مشيدة، يعيشون على جوع أهل مصر البلد، ويشجعون انتهازية أهل مصر المحطة.
يا تجار الاحتيال من أهل مصر المحطّة، وأثرياء التدليس من أهل مصر الكّفر، إنى من أهل مصر البلد، أبحث فيكم عن مشترى يملك جاها وسلطة، أعطيه من تاريخى الباهر شهادات مختومة بالميلاد ومحو الأمية والدكتوراه، تزين طلعته بين الأحياء، وتضيف لجثته ألقابا بين الأموات، مقابل أن يمنحنى جاها وسلطة ليوم واحد، أتزوّج فيه بألف فتاة وفتاة، وأنجب شعوبا وقبائل، تصادر قلوبها مفاتيح كل حرية، وتغلق عقولها أبواب كل علم، وتحشر أدمغتها بنصوص عصمتى وعلاء أمرى بين الناس.
.................................
رائعة د/ ياسر العدل

4 عبرني:

Jana يقول...

فين يا سمسم الكومنت!!!!!!!!

اكتب غيره وخلاص...ولو انى مش فاكرة كنت كاتبة ايه
طبعا هى جمييييييييلة جدا
بس متهيألى ممكن يكون فيه مصر رابعة(بس صغننة شوية) تجمع بين مميزات الاولى والثالثة دون السلبيات... عشان بس منظلمش فئة المثقفين ميسورى الحال

انا معرفش الكاتب بس اعتقد كده انه شيوعى؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

وانت بقى عامل ايه يا سمسم باشا؟اختياراتك دايما رائعة
ولا بلاش باشا صحيح عشان دول بتوع مصر التالتة

سلامى للعائلة الكريمة
دمتم جميعا طيبين

بيتنا القديم يقول...

جانا
....
إذن لتنعقد لجنة تنبثق منها لجنة لتشكيل لجنة تبت في أمر لجنة وترفع الأمر للجنة......الخ
حتي يتم ادراج مقترحك ويكون قيد التفعيل
المهم
اخبار سموك ايه..!!
احوال بلادنا تقول "أن عليك أن تكون برأس أريسطو وقدمي ميكيافيلي" حتي ترتقي الي مصر الأولي الهاي كلاس..!!
سلامي للجميع وتقبل الله اعيادنا ومواسم طاعتنا..وبارك في اوقاتنا.!!

lonely يقول...

اولا ما حبش حد يتكلم عن الفراعنه عشان ما ازعلشى
الناس دى ليها كل تقدير يا ريتنا عرفنا نبقى ربعهم ولا حتى واحد على مليون منهم فى العقل والتفكير والعمل موش الكلام
عمر ما كانت الاهرامات لدفن ممياوات محنطه للاسف احنا ولا نعرف حاجه عن تاريخ بلدنا ولا عن الفراعنه مع ان الغرب يعرفوا كل حاجه واتعلموا الكتير وطبقوه عقبالنا مكدا لما نفوق من الغيبوبه ونخلق مصر جديده بعقول جديده وافكارجديده يعنى كله جديد فى جديد
تحياتى

بيتنا القديم يقول...

lonely
.......
لماذا إختزلت جزء من الموضوع وتعثرت في فهمه ومن ثم إنطلقت في الهجوم..؟!
لم يتناول الكاتب الفراعنة بالزم بل علي العكس هو قصد ان فهمنا لحضارتهم كان خطأ فما تركوه من آثار لم يكن شغلهم الشاغل بل كان بمثابة المفكرة التي كان يدون فيها الواحد منهم احداث يومه فيها فحسب...!!
أما نهاره فما بين طب وفلك وزراعة وإبتكار ..!!
ذاك ما حاول النص ان يهمس به في إذنك
(:
كل سنة وانت طيبة
ودمت بخير